المركز الصحراوي للثقافة و الفكر

.

الأربعاء، 21 مايو 2014

كتاب الأمة والمواطنة في عصر العولمة .




يقول ريتشارد مينش أستاذ علم الاجتماع في جامعة بامبرغ – ألمانيا في كتابه (الأمة والمواطنة في عصر العولمة.. من روابط وهويات قومية إلى أخرى متحولة) من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب ترجمة عباس عباس، مراجعة عـلي خليـل بأنه أوجدت الدولة الأمة، في أرقى أشكالها تطوراً، الاحتواء الداخلي على أساس الإقصاء الخارجي في المقام الأول,,,,,
ففي عالمٍ تتغير شخصيته بشكل خاص من خلال توسع التعاملات الاقتصادية، والاتفاقيات بين الدول، والتشريعات العابرة للقومية، والأنظمة العالمية، والاتصالات الدولية، والثقافة الشعبية العالمية، بالإضافة إلى تسويق الثقافات المحلية على مستوى العالم ورواج الثقافة الغربية التي تكرس حقوق الإنسان، والثروة الاقتصادية وحصة الفرد من الرفاه الاجتماعي، لم تعد الدولة الأمة هي الوحدة الوحيدة المهيمنة في الدمج الاجتماعي. 

فالأمة المتجسدة سياسياً في دولة الأمة والمواطنة المستندة إلى الانتماء للأمة لم تعد تلك التعابير التي لا يرقى إليها الشك في إطار التضامن. وفي سياق عملية الأَوْرَبَة، ومن بعدها العولمة، تتوسع العلاقات الاجتماعية أكثر فأكثر لتتجاوز حدود دول الأمة وتتمايز داخلياً إلى تفاعلاتٍ أكثر انتقائية، ومحددة وظيفياً ومحدودة في الزمان والمكان. 

كما لم تعد التنظيمات الضخمة للنقابات، واتحادات أرباب العمل، ومؤسسات الخدمة الاجتماعية والكنائس، ودولة الأمة بشكلها الحالي، هي الوحدات المركزية الناظمة للاندماج الاجتماعي. إن الفصل الدقيق بين أبناء الأمة والأجانب، بين المواطنين وغير المواطنين يفسح المجال أمام نطاقات متدرجة ومتداخلة ذات حدود واضحة تتراوح بين مقيمين مؤقتين ودائمين إلى مهاجرين حاصلين على الجنسية من ذوي المواطنة الواحدة أو المزدوجة. 

وغدا هؤلاء الأشخاص ثنائيي القومية أقل خطراً من جهة تضارب الولاءات، لكن الفرصة أصبحت أكبر لتعزيز الاندماج ما فوق القومي. وسوف يزداد التعايش العالمي عبر الحدود القومية (خارجها)، ويتلاشى شيئاً فشيئاً داخلها. كما سيتحول نطاق التعاون العابر للقوميات إلى المركز، وينتقل نطاق التعاون القومي إلى الأطراف. 

القوة المحفزة 

كما يعتبر مينش أن تقسيم العمل القوة الرئيسية المحفزة لهذا التحول. فهو يتقدم داخل دول الأمة وخارجها، لأنه الوسيلة الوحيدة الفعالة للتخفيف من المنافسة المتزايدة أبداً على الموارد الشحيحة نتيجة تلاشي المسافة بين البشر. وتندفع هذه الصيرورة بدورها من خلال ابتكار تكنولوجيات النقل والاتصال واستخدامها. 

وفي هذا العالم الذي تتضاءل فيه المسافات، يغدو الجميع في منافسة مع الجميع، ما يتركنا عرضة لاستراتيجيات الحفاظ على الحياة القائمة بشكلٍ أساسي على التخصص ودورات الإنتاج وابتكار الخدمات بوتيرة متسارعة، بالإضافة إلى ما يرافق ذلك من توسعٍ وازدياد في تقسيم العمل على مستوى العالم. ولم تعد دولة الأمة، من خلال ضمانها للدمج الاجتماعي بواسطة الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية للمواطنة، الوحدة الوحيدة للدمج الاجتماعي. 

فالناس يتوحدون خارجها ويتمايزون داخلها، كما أنهم على اختلاف قومياتهم يتشاطرون ثقافة الاستهلاك السائدة عالمياً، والمسؤولية العامة عن الحفاظ على الموارد الضرورية للحياة البشرية وتطبيق حقوق الإنسان على مستوى العالم. وتربط الأنظمة البيئية، ومنظومات حقوق الإنسان، إضافة إلى التقسيم العالمي للعمل، بين عددٍ متزايد من البشر خارج حدود الأمم. وفي الوقت نفسه تصبح القضايا ذات الصلة بتقسيم العمل، والحفاظ على البيئة وحقوق الإنسان أكثر تمايزاً داخل هذه الأمم وتؤدي إلى تشتتٍٍ متنامٍ في المصالح، هذه المصالح التي لم يعد بمقدور المنظمات الكبيرة تمثيلها. ولم يعد الاحتواء الداخلي عبر الإقصاء الخارجي صالحاً أبداً، لأن الخارجي أصبح داخلياً. وقد أدى تقسيم العمل الخارجي، والمفاوضات البيئية، والمساعدات التنموية وتطبيق حقوق الإنسان إلى تحولاتٍ في بنية التضامن: بعيداً عن منظومة التضامن القومي باتجاه شبكة من روابط التضامن التخصصية والفردانية بين شبكاتٍ محددةٍ كما لم تكن كذلك من قبل. 

وكان على رفاهية الأمة ككل، وبوصفها الوحدة الأساسية للتضامن، أن تخلي الطريق، إلى حد ما، للتنسيق بين مجموعةٍ أكبر من الحقوق والمصالح التي تتجاوز الرفاهية القومية، مثل حقوق الأمم بالتجارة العادلة، والاستفادة من الموارد الطبيعية ومن حصةٍ في الثروة المنتجة عالمياً. ويمضي الاندماج العابر للقوميات جنباً إلى جنب مع التحول في الدمج القومي المرتكز على المواطنة القوية. بيد أن ذلك لا يعني بالضرورة تلاشي الاندماج القومي مع تنامي الاندماج ما فوق القومي. 

لكن الاندماج القومي سيغير طابعه، فالربط بين الإقصاء الخارجي والاحتواء الداخلي لم يعد موجوداً. 

ونحن ننتقل الآن إلى مزيد من الاحتواء الخارجي، بينما يغدو الاحتواء الداخلي أكثر تمايزاً وفردانيةً. وسوف تكون النتيجة مزيداًَ من التوازن بين الاحتواء الداخلي والخارجي لأن كليهما يتصف بالتمايز والفردانية.. ومما يؤكده مينش هو أن عملية التحول لا تلغي الفروق في أشكال الدمج القومية التي نمت تاريخياً في دول الأمة بالترافق مع تشكل مفاهيمها الأساسية عن الأمة والهوية الجمعية. 



لقراءة الكتاب الرجاء الضغط على صورة الكتاب أو الضغط على عنوانه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق